لقضاء على مشكلة الفقر في الأردن أمر بعيد المنال
– ضرورة إطلاق مبادرات تشغيلية تستهدف الفئات الفقيرة
– ضعف الإنفاق الرأسمالي يبطئ مواجهة معضلة الفقر
مكانك سر، هذا هو حال ملف الفقر في المملكة بعد أعوام من الخطط والإستراتيجيات التي وضعتها الحكومات المتعاقبة لمعالجة هذه المشكلة.
وفي حين تشير آخر التقارير الدولية إلى أن مشكلة الفقر في الأردن ما تزال كما هي، أكد خبراء اقتصاديون أن ضعف السياسات الاقتصادية والتنموية المطبقة من قبل الحكومات المتعاقبة وتقليديتها حدت من قدرة الأردن على معالجة هذه المشكلة التي تعاظمت خلال العقد الأخير.
وشدد هؤلاء الخبراء على أن ارتفاع مستويات الفقر محليا تعود إلى عدة عوامل داخل الاقتصاد الوطني، ومنها تباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع نسب البطالة، إضافة إلى السياسات الضريبية، وسوء توزيع الثروة وضعف معدلات الأجور.
ولفت الخبراء إلى أن القضاء على الفقر في الأردن والذي يعد الهدف الأول والإستراتيجي في خطة أهداف التنمية المستدامة الخاصة بالأمم المتحدة، ما يزال أمرا بعيد المنال، وغير ممكن في ظل الاستمرار بمعالجة هذه الأزمة بذات الأدوات والسياسات التقليدية الحالية.
وبغية معالجة مشكلة الفقر والحد من تنامي معدلاتها محليا وتحسين أداء الأردن في تنفيذ متطلبات هدف القضاء على الفقر المحدد في خطة أهداف التنمية المستدامة، طالب الخبراء بتغيير النهج الاقتصادي الحالي واتباع نموذج اقتصادي واقعي يقود إلى تحسين مؤشرات الاقتصاد الوطني، والتغلب على التحديات الاقتصادية المختلفة، إضافة إلى ضرورة تجويد إدارة السياسات العامة، وإطلاق مشاريع تشغيلية للفئات الفقيرة والمعوزة، إلى جانب التخلي عن السياسات الضريبية الحالية، لا سيما ضريبة المبيعات وتخفيضها بنسب حقيقية يكون لها أثر معيشي على المواطنين.
وكان تقرير أهداف التنمية المستدامة السنوي للعام 2024، الذي حلت به الأردن في المرتبة 85 عالميا وتراجعت بنحو 8 درجات مقارنة مع العام الماضي وأصدرته الأمم المتحدة مؤخرا، أظهر ركود أداء الأردن في تنفيذ متطلبات الهدف الأول من خطة أهداف التنمية المستدامة خلال عام 2024 والمتمثل في القضاء على الفقر، مؤكدا أنه ما يزال يواجه تحديات كبيرة للغاية في تحقيق هذا الهدف.
يشار إلى أن نائب رئيس الوزراء للشوؤن الاقتصادية ناصر الشريدة كشف في تصريحات صحفية سابقة خلال عام 2021 عن ارتفاع نسبة الفقر في الأردن إلى 24 % “محليا”، على حد تقديره آن ذاك، غير أنه بحسب آخر مسح لدخل ونفقات الأسرة الذي صدر عن دائرة الإحصاءات العامة وتم تنفيذه في العام 2017 – 2018، أفاد أن معدلات الفقر على مستوى المملكة تقدر بـ15.7 %.
ولم تحدث نسب الفقر في الأردن منذ أكثر من 12 عاما، إذ تم تأجيل كشفها أكثر من مرة خلال الأعوام الأخيرة، وكان من المقرر الكشف عنها خلال شهر نيسان (أبريل) الماضي إلا أنه تم التأجيل من جديد.
وكان تقرير “أطلس أهداف التنمية المستدامة للعام 2023″، قدر عدد الفقراء في الأردن بحوالي 3.980 مليون شخص (زهاء 35 % من السكان)، استنادا إلى معطيات خط الفقر الوطني لكل دولة في العالم، والمحدد للفرد الواحد في الأردن بـ7.9 دولار في اليوم.
وقال عضو لجنة السياسات الاقتصادية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني قاسم الحموري إن معالجة ملف الفقر في الأردن تتم منذ عقود بأدوات وسياسات تقليدية الأمر الذي حد من النجاح في معالجة هذه الأزمة، بل إنها تفاقمت بصورة واضحة خلال السنوات الماضية، لا سيما منذ جائحة كورونا.
وأكد الحموري أن القضاء على الفقر في الأردن والذي يعد الهدف الأول والإستراتيجي في خطة أهداف التنمية المستدامة الخاصة بالأمم المتحدة، أمر بعيد المنال وغير ممكن في ظل الاستمرار في معالجة هذه الأزمة بذات الأدوات التقليدية.
وشدد الحموري على أن ارتفاع مستويات الفقر في الأردن نتيجة لعوامل عدة في داخل الاقتصاد الوطني ومنها تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة نسب البطالة، إضافة إلى سوء توزيع الثروة وضعف معدلات الأجور.
وأوضح الحموري أن تأجيل الحكومات المتعاقبة نشر الإحصاءات الرسمية حول معدلات الفقر في الأردن يضعف من قدرة المؤسسات المختصة والباحثين من إيجاد الحلول لمعالجة مشكلة الفقر ودراستها، ولتسريع خطوات تنفيذ متطلبات خطة أهداف التنمية المستدامة الخاصة بالفقر والحد من معدلاته محليا، طالب الحموري بأهمية إطلاق الحكومة مشاريع ومبادرات تشغيلية وإنتاجية تستهدف الفئات المعوزة والفقيرة ومساعدتهم في تسويق منتجاتهم، إضافة إلى تخفيض الضرائب العامة على هذه الفئات، وإعفاء بعضها من الضرائب، إلى جانب تعزيز المسؤولية الاجتماعية محليا وتشجيع المؤسسات المختلفة على الانخراط بها.
ويرى مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض أن تباطؤ تقدم الأردن في تتنفيذ الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالقضاء على الفقر، يعكس ضعف السياسات الاقتصادية والتنموية للحكومات المتعاقبة، إذ لم تنجح هذه السياسات في تحسين الواقع المعيشي والاقتصادي للمواطنين.
وأوضح عوض أن “إصرار الحكومات المتعاقبة على تطبيق سياسات ضريبية غير مباشرة مرتفعة”، من رسوم جمركية وضريبة المبيعات والضريبة المقطوعة على المشتقات النفطية، إضافة إلى الضغوط على مستويات الأجور وثباتها منذ أكثر من عقد، وعدم رفع علاوة المعيشة للعاملين في القطاع العام كلها، كان لها دور في مفاقمة مستويات الفقر محليا خلال السنوات الماضية.
وأضاف أن الأزمات الاقتصادية والوبائية التي شهدتها المملكة خلال السنوات السابقة من أزمة اللجوء السوري وصولا إلى جائحة كورونا، كان لها أثر كبير في زيادة حجم الفقر في المملكة وتردي الأوضاع المعيشية للكثير من الأسر المعوزة.
وبين عوض أنه عادة ما يكون لزيادة معدلات الفقر أثر سلبي اقتصاديا واجتماعيا، ويتمثل هذا الأثر اقتصاديا في عدم قدرة الأسر الفقيرة على تلبية احتياجاتها المعيشية مما يزيد من الأعباء المالية على الحكومة في دعم هذه الفئة، كما يقلل من حجم الانفاق الاستهلاكي المحلي، أما اجتماعيا فإنه يؤدي إلى تعمق التفاوت الاجتماعي وزيادة هشاشة المجتمع.
وبهدف الحد من تنامي معدلات الفقر محليا وتحسين أداء الأردن في تنفيذ متطلبات هدف القضاء على الفقر دعا عوض إلى إعادة النظر بالخيارات الاقتصادية التي تتبعها الحكومات المتعاقبة منذ سنوات، باتجاه أن تستهدف تخفيض معدلات الفقر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتي منها القضاء على الفقر والجوع، إضافة إلى أهمية تحسين تجويد إدارة السياسات العامة، والتخلي عن السياسات الضريبية الحالية لا سيما ضريبة المبيعات وتخفيضها بنسب حقيقية يكون لها أثر معيشي لدى المواطنين.
إلى ذلك أكد الخبير الاقتصادي والاجتماعي زيان زوانة، أن الفقر مرتبط بالبطالة، والبطالة لدينا محليا في ارتفاع منذ سنوات و”تتوطن” حول معدل رسمي أعلى من 20 %، والبطالة من جانبها مرتبطة بمعدل النمو الاقتصادي والذي هو الآخر في حالة ضعف لدينا محليا، وبالتالي فالمتلازمة التنموية بينهما واضحة ولا يمكن معالجة أزمة الفقر دون التغلب على ضعف معدلات النمو، وارتفاع مستويات البطالة، لذلك من الطبيعي أن يكون التقدم في معالجة هذه الأزمة ضعيفا وبطيئا.
ولفت زوانة إلى أن هناك عوامل إضافية أخرى تعيق من قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة معضلة الفقر، ومنها اختلال المالية العامة وضعف حجم الإنفاق الرأسمالي، عدا عن النهج الاقتصادي التقليدي القائم وعدم قدرته على مدار العقد الاخير من اختراق مشكلات الاقتصاد الأردني، مؤكدا في هذا الصدد أن معالجة مشكلة الفقر تبدأ من تغيير النهج الاقتصادي الحالي واتباع نموذج اقتصادي واقعي يقود إلى تحسين مؤشرات الاقتصاد الوطني، والتغلب على التحديات الاقتصادية المختلفة.