Homeمقالاتآراءمتلازمة حماس والمقاومة

متلازمة حماس والمقاومة

في ظل الإبادة الجارية في غزة، فإن أول المهزومين هو النظام السياسي العربي، مجتمعا ومنفردا. وفي محاولة يائسة لتجنب هذه الحقيقة، يختلق هذا النظام أسئلة زائفة حول جدوى المقاومة، ويُمعن في ستر عورته الذهنية بخلط متعمد بين «حماس» و»المقاومة»، في متلازمة تُبقيه في حالة رد فعل، شاهدة على قلة حيلته في مواجهة الهندسة الجيوسياسية التي تقودها أميركا وإسرائيل في المنطقة.

حماس مشروع «جهادي» قام منذ نشأته على فكرة صراع الوجود لا الحدود، وهو أمر معلن لا تقية فيه. وهو مشروع يتجاوز عندهم تحرير الأرض بالسلاح، إلى تحريرها بقوة النص الديني وبالعقيدة، وهي قوة طالما احتاجتها حركات التحرر، مهما كانت مرجعياتها—دينية أو يسارية أو قومية.

 

في المقابل، لم يقدم الطرف المعترض على نموذج حماس بديلا يُعتد به، بل ألقى السلاح، وارتمى في وهم «عملية السلام»، التي ثبت أنها ملهاة صهيونية هدفها كسب الوقت لصالح إسرائيل لتتسلح ولتفتت العالم العربي تمهيدا لابتلاعه، وهو ما يجري حاليا.
تأكد الآن فشل محور «السلام» وتفكك العالم العربي إلى جزر متعارضة، مرهون وجودها بكل شيء سوى التعاون السياسي والاقتصادي. نجحت أميركا وإسرائيل في فرض أطر تفاوض منفردة، ضمنت عبرها الخنوع العربي، حتى غدا الموقف العربي محكوما بالمصالح القُطرية، لا بمنطق القيم أو التحرر، ولم يعد يملك سوى التنديد المذعور من زحف المشروع الصهيوني.
صحيح أن تحالف حماس مع إيران ليس خيارا استراتيجيا مثاليا، لكنه في الواقع خيار براغماتي، فرضه انسحاب العرب من محور المقاومة، أما تحالف محور السلام مع أميركا، فلم يكن أفضل حالا، إذ أثبت الواقع أن أميركا وإسرائيل تستهدفان هذا المحور أيضا، تماما كما تستهدفان حماس وإيران.
المقاومة حق قانوني، إنساني، حضاري، لكنها ليست غاية بذاتها. وفكرة «الجهادية» وحدها لا تكفي لتحقيق آمال الشعوب في التحرر، بل لا بد من أفق سياسي يميّز بين تكتيك المقاومة ومبدئها. من هنا، فإن نقد حماس لا بد أن ينطلق من نقد غياب مشروع عربي واعٍ تجاه المقاومة. فكل مقاومة تدخل مسار تفاوض أو تسوية، يجب أن تنطلق من مرجعيات المقاومة نفسها، وأن تفهم تلك المسارات كضمانات للحقوق، لا كبوابة لهدرها.
مراجعة فكرة المقاومة يجب أن تبدأ من إدراك أن أصل الشرور هو الاحتلال، وأن الحرب على غزة ليست مجرد مأساة إنسانية، بل اختبار حقيقي للنظام العربي، وللشعوب العربية ومثقفيها. فهل يخرج النظام من بين الركام وينتج موقفًا مستقلًا؟ أم سيبقى يحارب بلا أهداف سياسية، أو يفاوض بلا أدوات؟
المقاومة لا يحتكرها فصيل، والهوان هو مصير كل من انقلب على منطق التاريخ الذي يُثبت دوما ضرورة عدم التخلي عن المقاومة.
نحتاج اليوم إلى مشروع عربي نهضوي لا يكتفي بالمواقف، بل يؤسس لحالة حضارية شاملة، ترتكز على مشاركة شعبية، واستقلال سياسي واقتصادي، وانتقال من ذهنية ما قبل المجتمع، إلى مجتمع متنوع متحالف، يعمل بأدوات إقليمية تكاملية، بعيدا عن المزايدة أو التبعية.
نحن بحاجة إلى عقل مقاوم، لا مجرد بندقية. إلى فكر سياسي يرى في المقاومة حالة علمية إنسانية، تؤسس لحق التعامل مع العدو الخارجي، وتبني في ذات الوقت مجتمعا داخليا قائما على حقوق الإنسان والديمقراطية.
أما الدول المتفرقة المتناقضة، فلن تنتج سوى الهزيمة. وأبدية العيش في ظل استعمار كشر عن أنيابه علنا، لن يكسرها سوى اتحاد حقيقي، فاهم علي جنابك.

ذات صلـــــة

الأحدث

الأكثر مشاركة

منتخب التايكواندو يشارك ببطولة كأس الرئيس بالصين

يبدأ المنتخب الوطني للتايكواندو ، غدا الأربعاء، مشواره في بطولة كأس الرئيس عن منطقة آسيا عيار 3 نجمات، التي تقام في مدينة الصين بمشاركة...